الأسواق آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ، حاملاً درتّه حيناً ، ومخصرته حيناً آخر ، تالياً لقوله تعالى : ( وَيلٌُ لِلمُطَفِّفِينَ ) في عدّة آيات.
وكان عنيفاً مع رحمته ، وشديداً مع رقته ، لا يعطل لديه حدّ ، ولا يتهاون في فرض ، ولا يتجافى عن سنة ، وهو إلى ذلك يدبر أمور هذه الدولة المترامية الأطراف ، ويتابع شأن هذه النفوس المتشتة الأهواء ، يخوض المشكلات خوضاً مباشراً ، يرتق هذا الفتق ، ويصلح ذاك الخرق ، وهو يجاري من أصحابه من لا يجارى ولا يدارى إلا بعسر ومرارة ، وهو يتجرع الغصص ويسيغ الشجا ، عالماً بأنها أيام سينقضي بؤسها وشرها ، ويبقى خيرها وأجرها ، فعنده « الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإن كان عليك فاصبر ، فكلاهما سينحسر ».
وهؤلاء المعارضون من ناكثين وقاسطين وخوارج ، والمتمردون من انتهازيين ونفعيين وأصحاب مطامع ، تجمعوا عليه من كل صوب وحدب لا لأمر نفسوا به عليه ، ولا لموجدة أُحتقبت بحقهم ، ولكنها الأهواء المتناثرة ، والأحقاد المتأصلة ، والأهواء لا سيطرة عليها ، والأحقاد لا سبيل لاقتلاعها ، ولكنه يعاملها جميعاً بأناة الحكيم ، ويترصدها بعقلية القائد المتلبث ريثما تنجلي الغبرة ، ينفس عنها شيئاً فشيئاً ، ولكنها بمجموعها المتزاحم ، وبزخمها المتراكم تبقى في النفس ألماً ، وفي القلب جراحاً ، وما أكثر آلام الإمام ، وما أبلغ جراحه.
وهذا السواد الأعظم ، في تناقض نزعاته ، وعجيب أولاعه ورغباته ، وكثرة خروجه ونزعاته ، مناخ غوغائي مستفيض ، لا بد من مداراته حيناً ، وضبطه حيناً آخر ، وتوجيهه بعض الأحيان ، وهم همج