كان عدل الإمام واسماحه وتواضعه وإسجاحه شاملاً متسعاً لا يضيق بذلك صدره ، فقد دعا إليه غلامه مرة فلم يجبه ، ودعاه ثانياً فلم يجبه ، وناداه ثالثاً فلم يجبه ، فقام الإمام عليهالسلام فرآه مضطجعاً ، فقال : ألم تسمع يا غلام؟ فقال : نعم ، قال عليهالسلام : فما حملك على ترك جوابي؟ قال : آمنت عقوبتك فتكاسلت ، فقال عليهالسلام أمض فأنت حر لوجه الله تعالى.
السياسي التقليدي قد يقتل هذا الغلام ، وقد يأدبه أو يسجنه أو يعزله من الخدمة ، أما الإمام فقد حرره لوجه الله تعالى.
وهذا نموذج خاص في السياسة ، ونموذج عام بسيط مثله :
دخل على أمير المؤمنين اثنان من أصحابه ، ولعلهما طلحة والزبير قبل نكث البيعة ، والإمام في بيت المال ، وبدءا يحاورانه في شيء من شؤونهما ، فيطفىء الإمام السراج ، ويخرج بهما بعيداً عن بيت المال وإلى داره ، لأن زيت السراج يتقد من أجل مصلحة أو منفعة لبيت مال المسلمين ليس غير. وهما في مسألة قد تكون خاصة فيهما ، فليذهب عليٌّ بهما إلى خارج هذا المقر الرسمي ، وليكن لهما ما شاءا ، أما أن ينفق وقته معهما على حساب هذا الزيت ـ وإن كان ضئيلاً ـ فليس إلى ذلك سبيل.
ووجد القادمان أن لا حياة لهما مع الإمام في هذه السياسة.
وكان رحيماً بالمسلمين رؤوفاً بهم ، عطوفاً عليهم ، يبسم لهذا ويهش لذاك ، يواسي أهل العوز والفقر والفاقة ، ويجالس المضنى والمتعب والمستفيد ، ليس بينه وبين الرعية حجاب ، قائماً بشؤونهم : في الصلاة إماماً ، وعلى المنبر خطيباً ، وفي الحروب متقدماً ، ولدى