بمعناها الدقيق كما استعملها في هذا النص. ومن هنا نجد قوله فيصلاً في الحكم رداً على المتنطعين :
« والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، وكل فجرة غدرة ، وكل غدرة كفرة ، وكل كفرة في النار ».
الدهاء في منطق الإمام هو الحكمة التي لا تستطال بفسق وفجور ، فالفاجر غادر ، والغادر كافر ، والكافر في النار.
ولا يستقيم لأول القوم إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً أن يسلك هذا النهج ؛ كيف وقد تربى في حجور الإيمان ، وترعرع في ظلال الوحي ، وألهم معالم القرآن.
السياسة الواضحة عند الإمام ، كتب لها النجاح إيمانياً ، وكتب لها الخلود تأريخياً ، ففي سيرة هذا الرجل من الأمثال ما لم يتهيأ لأحد من الناس ، وقد يقال بأنها أخفقت ، وقد يصح هذا القول عكسياً ، لأن أمير المؤمنين كان يريد أن يعود بالناس إلى عهد رسول الله ، وكان عهده قد استطال عليه الزمان ، ومرت بالناس ظروف وأحداث وأزمات التمسوا فيها الرفاهية واللامبالاة ، فمن العسير انقيادهم لهذا الرجل العائد بهم إلى عهود الدين ، وقد حثت الأحداث بهم السير نحو شؤون الدنيا ، فهم عن الدين أبعد ، وهم إلى الدنيا أقرب ، وإذا كان الأمر كذلك ، فهم الذين أخفقوا في الانقياد لسياسة الإمام ، ولم تخفق سياسة الإمام لعدم انقيادها إليهم.
نموذجان بسيطان أضعهما بين يدي الباحث الموضوعي نموذج خاص ، ونموذج عام ، على سلامة هذين النموذجين وبراءتهما ، تجد أن سياسة الإمام الخاصة بذاته وبأمته سياسة أنبياء وأوصياء ، لا سياسة أشدّاء وأدعياء.