بين الناس في فرائضهم ومجالسهم وأسواقهم وحياتهم العامة ، يوجه هذا ويرشد ذاك ، ويستمع إلى هؤلاء ويعني بأولئك ، والوازع هو الوازع لا يتغير ولا يحيد ، الحياة لله في السر والعلن ، والنصح للمسلمين في الشدة والرخاء ، والعمل بالكتاب والسنة شاء الناس أم أبوا ، لا يخدعه خادع عن مسلكه هذا ، ولا يغتّر به مغتّر فيقترح غير هذا ، فقد عرف نفسه فعرف ربه.
وهذا الرجل في قيادته للأمة يعود بالسياسة إلى عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نقية خالصة ، لا تشوبها شائبة ، طريقها واضحة ، وأعلامها شارعة ، لا التواء فيها ولا اعوجاج ، ولا أمت ولا انحراف ، يسلك سبيله فيها سبيل القادة الأفذاذ ، فلا دجل ولا زيف ، ولا إيهام ولا إبهام ، ولا زيغ ولا غموض ، يجريها على سننها فشل فيها أم نجح ، فهي أداة للحق ومسرجة للهدى ، والحق والهدى يبصران ، ودونهما رقيب من الله ، وإيحاء من الضمير الحي المتيقظ ، فلا الضلال يقيم الهدى ، ولا الباطل يحيف الحق ، وإنما هو القصد والاعتدال يصاحبهما الصدق والوضوح ، فلا لبس ولا شبهة وإن حققا نفعاً موقوتاً لأن النفع الموقوت زائل ، وتبقى صحائف الأعمال قائمة.
ليس لدى الإمام في هذا المذهب تفكير السياسيين التقليديين القائم على أساس التسوية والغاية ، فهذان أمران مرفوضان تأباهما له صرامته في الحق ، وعدالته في المسعى ، الحق وإن جحد والمسعى وإن أخفق. ولماذا هذا ، وكل هذا ، الإمام يفلسف ذلك : « قد يجد الحُوَّل القُلَّب وجه الحيلة ، ودونها حاجز من تقوى الله ، فينتهزها من لا حريجة له في الدين ».
ولا أعلم أحداً في العرب سبقه إلى استعمال مادة « الانتهازية »