هاشم ، وينفق ما تبقّى في احتياجات إخوانه من المؤمنين ؛ حتى إذا نهض بالأمر كان واحداً من أدنى المسلمين ـ وهو أميرهم ـ له ما لهم من حقوق ، وعليه ما عليهم من واجبات ، تحقيقاً لمبدأ العدل السياسي المفقود ، وتنفيذاً لمبدأ العدل الأجتماعي المنشود.
واحتاط للمسلمين ، فلم يطلق أيدي عماله في الغنائم ، ولم يخولهم تخويلاً مطلقاً في الحكم ، وإنما أخذهم بكثير من الجدّ والحزم ، وشدد عليهم في الرقابة والحساب ، يستمع إلى شكوى الرعية ، ويقتص لهم من عماله ، ويتفقد الشؤون العامة بنفسه ، فكان الله بذلك رقيباً عليه ، وهو رقيب عليهم ، يثيب المحسن ، ويعاقب المسيء ، حتى إذا لمس من أحدهم خيانة أو جناية أخذه بها أخذ الناظر الحثيث كما رأيت فيما سبق.
وكان أمير المؤمنين إلى جنب ما تقدم ، رجلَ مجابهة وتحدٍ ، ورجلَ تمهل وأناة ، رجل مجابهة حين تتهيأ له الأسباب وتواتيه الظروف ، ورجل أناة حين يغدر به الحدثان ولا يصفو له الزمان. وهو بين هذين يضع الأمور في مواضعها ، لا يخرجه تحديه عن القصد ، ولا يسلمه تمهلّه إلى الضياع ، ينظر بعين الناقد البصير إلى الأحداث فيما حوله ، فيجيل فيها فكره ، ويتبعها بنظرته الثاقبة ، فلا يحيد عن المنهج الذي رسم لنفسه قيد أنمله قط ، مترصداً بذلك مرضاة الله تعالى في اليسر والعسر ، لم يقعده عن الحق تفرق الناس عنه ، ولم يوقعه في الباطل اجتماع الناس عليه ، يأنس بالوحدة لأنها تذهب به إلى التفكر في ذات الله ، ويرغب بالعزلة لأنها تذكره بما وراء الطبيعة. وقد يلم بالناس إلماماً للقيام بأمر الله « لا يزيدني اجتماع الناس حولي عزاً ، ولا تفرقهم عني وحشة ». ولم يكن منقطعاً إلى ذاته ، أو مغترباً في حياته ، وإنما كان