ولك أن تسترسل في سيرة هذا الرجل وإستقامته ، وتنظر إلى تحرجه وتأثمه ، وتتوغل في تورعه وتشدده ، وتتردد إلى محاسبته لنفسه ومراقبته لها ، يستسهل الصعب ، ويتوخى العسر فيما فرض عليها ، وما استن لها من ضروب الترويض : « ولئن أبيت على حسك السعدان مسهداً ، أو أجرّ في الأغلال مصفداً ، أحب إلي من أن ألقى الله ، وأنا ظالم لبعض العباد ، أو غاصب لشيء من الحطام ».
ولا كبير أمر في ذلك تستغربه عند الإمام ، وإن استغربته عند سواه ، فليس للظالم في مسيرته ظل ، ولا للحيف في معجمه مفهوم ، وإنما هو منهج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مثلاً أعلى وقدوة حسنة.
وقد كان أمير المؤمنين محتاطاً لنفسه ، ومحتاطاً لدينه ، ومحتاطاً للمسلمين ، أخذ نفسه بمعالي الأمور وابتعد عن صغائرها ، زهداً وتقشفاً وعبادة
« لقد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها ».
لم يجنح إلى الترف ، ولم يمل إلى اللين وخفض العيش ، اخشوشن في ذات الله ، وضحّى في سبيل الله ، ونصب نفسه علماً لدين الله ، ما وقف بين أمرين إلا اختار أصعبهما مراماً ، وأصلبهما شكيمة ، ما أراح نفسه قط ولا إستراح.
وكان محتاطاً لدينه ، فقد أدى الأمانة بأدق معاني هذه الكلمة وأضيقها ، لم يرزأ المسلمين شيئاً في مالهم ، ولا تناول من فيئهم إلا بقدر زهيد شأنه فيه شأن الآخرين لا أكثر ولا أقل ، فلم يصبُ إلى تزيد أو كفاية ، ولم يحاول توسعاً أو إضافة ، وكانت قبل خلافته يقوم على أرض بينبع ، يلتمس من عيشها الكفاف ، ويصرف ما فضل في فقراء بني