« أأقنع من نفسي ، بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أكون لهم أسوة بجشوبة العيش ومكاره الدهر ».
وكان يخلو إلى نفسه آناء الليل وأطراف النهار متهجداً مصلياً مناجياً ربه ، فما إن يؤدي ما عليه للمسلمين ، حتى يتفرغ للعبادة تفرغاً تاماً ، وهو يقول : « إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك ، ولكن رأيتك أهلاً للعبادة فعبدتك ».
وهكذا تكون عبادة الأحرار ، قوة قلب وبصيرة نافذة. فإذا لاحت زبارج الدنيا خاطبها : إليك عني يا دنيا غري غيري فحبلك قصير ».
وكانت هذه الشخصية الزاهدة يقظة متحركة صامدة تجمع إلى الزهد القوة والإدارة فكان تدبير الجيوش ، وإدارة شؤون الأقاليم ، وإلزام الأمراء والعمال والولاة بجوهر تعليماته الخالدة ، من أشتات مهمات الإمام التي جمعها الله له سيرة وقيادة ، فأعذر في التبليغ ، وأحسن صروف الآراء ، وبذلك جعل دولته نموذجاً فذاً للحكم الإسلامي الخالص الذي إتسم بالقوة والإسماح بوقت واحد ، ونأى عن الطغيان والجبروت والأثرة ، فقد التزم الإمام عليهالسلام معايير التدبير المنظّم ، وأنس معالم التنظير الدقيق ، كل ذلك يجيء بعد فوضى في الحكم ، وعنتٍ من السلطان ، وتباين في الأهواء والآراء ، وطبيعي أن إمساك الأمر بروية وأناة في مثل هذه الظروف ينبعث عن حكمه متناهية.
فمن وصية له عليهالسلام لعسكره بصفين قبل لقاء أهل الشام ينهى فيها عن البغي ، ويمنع من قتل المدبر ، والإجهاز على الجريح ، ويأمر فيها بالتريث في الحرب وعدم الابتداء بها ، ويلزم جنده بالتغاضي عن تهييج النساء ، وإن سببن الأمراء أو شتمن الأعراض ، مما يعد منهجاً حربياً متميزاً ، قال :