« لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم ، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ، ولا تصيبوا معوراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تهيجوا النساء بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم ، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول ؛ إنا كّنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة ، فيعيّر بها وعقبه من بعده ».
وهذه السنن الحربية التي خطط لها الإمام تنطلق من مبدأ الدفاع عن النفس ، ولا تنجرّ إلى إرادة شهوة الحرب ، وتنبعث من صميم تعاليم الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في العفو والتغاضي ، وتنسجم وطبيعة النظام الإسلامي في التوصل إلى معالي الأمور ، والابتعاد عن توافه الأغراض.
ولك في هذا المجال أن تنظر في وصيته لأحد قواد جيشه وهو معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :
« اتقِ الله الذي لا بد لك من لقائه ، ولا منتهى لك دونه ، ولا تقاتلن إلا من قاتلك ، وسرّ البردين ، وغور بالناس ، ورفّه في السير ، ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكناً ، وقدره مقاماً لا ظعناً ، فأرح فيه بدنك ، وروّح ظهرك ، فإذا وقفت حين ينبطح السحر ، أو حين ينفجر الفجر ، فسر على بركة الله. فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطاً ، ولا تدنُ من القوم دنوَ من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب الناس ، حتى يأتيك أمري. ولا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم ».