وهذه الوصية النادرة جامعة لشؤون تدبير الجيش المقاتل في مراقبة الله وتقواه ، وفي مسيرة وحركته وتوقفه عند مقامه ولدى ظعنه ، وفي اتخاذ الموقع المناسب دون الاقتراب الذي يؤدي إلى الحرب ، ودون التباعد الذي ينم عن الخور والضعف ، وأن تتحكم الضمائر دون الأحقاد ، فلا يدعو الشنآن إلى القتال قبل الدعوة إلى السلم ، والإعذار في الدعاء.
هذه التعليمات لم تتجاوزها التعليمات الحربية العادلة القائمة على أسس الدراسات العسكرية المتطورة في الحروب العالمية العامة.
والإمام لا يقف عند هذا الحد من التوجيه الناهض ، بل يتعداه إلى الإنضباط العسكري الدقيق في تقويم أمراء الجيوش ، واختيار الأصلح من قواد الحرب ، وإناطة القيادة العامة بالأكفاء من ذوي الخبرة والدراية بشؤون الحرب ، فهو يضع الأمور في نصابها ، ويعطي كل ذي حق حقه ، آخذاً بالحزم ، وصادعاً بالحقائق دون محاباة لأحد. فمن كتاب له عليهالسلام إلى أميرين من أمراء الجيش ، وقد أمرّ عليهما مالكاً الأشتر ، قال : « وقد أمرّت عليكما وعلى من في حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر ، فأسمعا له وأطيعا ، واجعلاه درعاً ومجناً ، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ، ولا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل ».
ويتجاوز الإمام عليهالسلام هذه الحدود إلى اختيار الموقع العسكري الأمثل ، والتدبير الحربي الأسلم ، والزمان القتالي الأولى ، فيرسم بذلك الخطط السليمة ، ويهيىء الفرص المتكافئة ، ويوجه نحو الإعتصام والمنعة ، ويحذر من الأنقسام والفرقة. فمن وصية له عليهالسلام وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو ، قال :