السديد ، وطالما نجده يعرض على أمراء الجيوش ما فيه تقويم الجيش ، ومن ذلك قوله :
« ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سراً إلا في حرب ، ولا أطوي دونكم أمراً إلا في حكم ، ولا أدخر لكم حقاً عن محله ، ولا أقف به دون مقطعه ، وأن تكونوا عندي في الحق سواء ، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ، ولي عليكم الطاعة ، وألا تنكصوا عن دعوة ، ولا تفرطوا في صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ، فإن لم تستقيموا على ذلك ، ولم يكن أحد أهون عليّ ممن إعوجّ منكم ، ثم أعظم له العقوبة ، ولا يجد عندي فيها رخصة ».
ويبدو جلياً مما تقدم مدى إحكام الإمام لأمره ، مع عماله وولاته توجيهاً وأمراً واستصلاحاً ، لا يدع فرصة إلا ويبين بها مقطع الحق ، ومشرع العدل في ضوء ما أستنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولعل عهد الإمام إلى مالك الأشتر لما ولآه على مصر حين اضطرب الأمر على أميرها محمد بن أبي بكر يعد أطول عهد كتبه ، وأوفاه إدارياً وسياسياً ، وأجمعه للمحاسن.
وهذا العهد من مفاخر التراث الإسلامي في مصادره ، ومن عيون التراث الإنساني في مقاطعه ، وهو صفحة من صحائف الإمام الخالدة في إدارة الحكم ، وشؤون السياسة ، وحقوق الراعي على الرعية ، وواجبات الرعية تجاه الراعي ، وبيان السنن ، وإحكام الفرائض ، وإعمار البلاد ، واستصلاح الناس ، وجهاد الأعداء ، واختيار الأكفاء ، وإشاعة العدل ، وحفظ النظام ، واستئصال شأفة الضلال.
فقد ولاه الإمام مصر رئيساً لها ، وأناط به وزارة المالية : « جباية