فينتزع حب المال من النفوس ، وشهوة الحكم لدى الطالبين ، والتقوقع على الذات عند السواد. فقد بُلي الإمام بطبقة من الناس تستهويها شهرة الأسماء ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ دون النظر في حقائق الأشياء ، وكان هذ الابتلاء يستوي به عليّة القوم ، وضعفة الرجال ، وأقرب الناس إليه ، وأبعدهم عنه.
فهذا محمد ابن الحنفية وهو ابنه ، وهو في الذروة من الورع والحيطة ، قد يستعظم منزلة الزبير ، وسابقة طلحة ، وأمومة عائشة ، فتمتلكه الحيرة حيناً ، ويذهب به التساؤل حيناً آخر ، فيجبهه الإمام ببديهة صارمة تصادر الحيرة ، وتجيب عن التساؤل ، ويقول له :
« يا بني إنك ملبوس عليك ، لا يعرف الحق بالرجال ، إعرف الحق تعرف أهله ».
وكتب إليه عامله على المدينة سهل بن حنيف يخبره أن طائفة من أبنائها يرغبون عنه ، ويتسللون إلى الشام سراً أو علناً ، فكتب إليه الإمام يعزيه عن هؤلاء ، وينهاه عن إرغامهم على الطاعة ، وترك الحرية لهم في التنقل حيث شاؤوا فهم أصحاب دنيا ، لا أصحاب دين.
ويخلص إليه أهل السواد ويقصدون الكوفة في شؤونهم ؛ فيخلو الإمام إلى رجل من أهل الرساتيق ويسأله عن حال قومه :
« أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا؟ ».
فيجيبه الفارسي :
« كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكاً ».
ويريد الإمام أن يقول كلمته لهذا المجتمع الغارق بأحلامه العابرة ، فيسأله :