من أعوان معاوية عضده في بناء الدنيا ، والناس بعامة أبناء الدنيا ، ولا يلام المرء في حب أمه ، فتطاول الباطل على الحق حقبة قيادة الإمام للأمة ، وكان ظل الحق يكاد ينحسر ، وكان شبح الباطل قد أظل ، فشرق الإمام بغصته لهذه الظاهرة الشاذة ، فالباطل لا يدوم ولو دام دمّر ، وقد استدام معاكساً لمسيرة الإمام ، ومضاداً لثورة الإمام ، فأورث ذلك المسلمين ندماً مريراً ، وأورث الإسلام تعثراً مريعاً ، حتى ظن بالإمام الجزع حين قال : « متى ينطلق أشقاها فيخضب هذه من هذا ».
مشيراً إلى كريمته ورأسه ...
وظاهرة أخرى كانت تقلق الإمام وتزيد من آلامه ، فهو يرى البعوث قد تعثرت ، والفتوح قد توقفت ، ومسلمة الفتوح بعد كمسلمة الفتح من ذي قبل ، لا يعرفون من الإسلام إلا إسمه ، ولا يعون من الفرائض إلا طقوسها ، ولا يدركون من القرآن إلا قداسته ، كثرة كاثرة بلا جدوى ، وأمم دخلت في الإسلام على غرّة ، وتزايد نظري في أعداد المسلمين ، دون تطبيق عملي لمبادئ الإسلام ، ومتى استطاع الإمام أن يفرغ من إصلاح الداخل ، حتى يتفرغ لإصلاح الخارج ، وهو يرى جمهرة من المسلمين ، قد استهوتهم حياة الترف عند الفرس ، وحياة الإستهتار عند الروم ، فتزودوا ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ، واستلذوا بالقصور الشامخة والمراكب الفارهة ، وغضوا طرفاً عن المصلحة العليا ، وتأقلموا بحياة لم يألفوها من ذي قبل ، وتطلعوا إلى أجواء ما عرفوها في تأريخهم القريب ، فانتقلت نفوس العرب من الحمية والنضال إلى الدعة والعيش الرغيد ، وبدأ عليها التغيير إلى الأسوأ شيئاً فشيئاً ، فضعف سلطان الدين ، وقوي سلطان الدنيا ، وعاد علي عليهالسلام في الميدان بثلة من الأولين وقليل من الآخرين يحاولون ولا يستطيعون ،