أمره بالفتن والمحن ، كما غلب على رأيه بالمعارضة الجافة ، حتى قيل أن علياً لا علم له بالحرب ، ولا صبر له على القتال ، وشواهد العيان تأبى ذلك ، ودلائل الحدثان تنفي هذا الزعم المتهافت.
وهو بأزاء هذا السبيل ينادي أؤلئك :
« ويلكم أتتوقعون اماماً غيري يطأ بكم الطريق »؟
وحتى صرح غير مرة :
« لقد ملئتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ».
وحتى التفت إلى أهل الكوفة قائلاً : « وددت أن معاوية صارفني فيكم صرف الدينار بالدرهم ، فأعطاني واحداً وأخذ مني عشرة ، أمير أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ، وأميركم يطيع الله وأنتم تعصونه ».
لقد أفسدوا على الإمام رأيه بالعصيان ، حتى فقدوا مصداقية الإمتثال له ، وحتى طمع فيهم معاوية وجردّهم عن كل شيء ، وقادهم بل ساقهم بين يديه سوق الأماء ، حتى قيل أن معاوية أدهى من علي ، وبلغه ذلك فقال :
« والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، وكل غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة ، وكل كفرة في النار ».
وكان الإمام عليهالسلام عازماً على تنقية الطباع وترويض الغرائز ، وكانت الأطماع تمتلك النفوس ، وكان التآمر المتتابع يحبك الدسائس لإفشال الإمام بمسيرته ، وإسقاط النظام في تطلعاته الإنسانية المتألقة ، فعليٌ عليهالسلام كان يدبر أمر الدين بقوة وعزيمة ، وأعداؤه يدبرون أمر الدنيا بنهم وجشع ، وكان أمر الدين قد تضاءل ، وأمر الدنيا قد أقبل ، وكانت القلّة من المؤمنين أنصاراً للإمام في إقام الدين ، وكانت الكثرة