فنظر إليه الإمام نظرة اقتلعته من مكانه ، وقال له :
يا شريح : أما أنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصاً ، ويسلمك إلى قبرك خالصاً ، فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك ، أو نقدت الثمن من غير حلالك ، فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة ».
وكان منهج الإمام هذا حرياً بأن يصلح شيئاً من النفوس ، أو يخفف من غلوائها في الأقل من التهافت على الدنيا ، والانغماس بمباهجها ، ولكن هذا النهج أيضاً قد يرضي قوماً ، وقد يسخط آخرين ، قد يجمع حوله القليل ، وقد ينفضّ عنه الكثير ، وقد أدرك الإمام هذا الملحظ إدراكاً عميقاً ، فقال : « لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولو أسلمني الناس جميعاً لم أكن متضرعاً ».
ولم يكن الإمام لتعجزه الحيلة في تحقيق المأرب وإدارة الحكم كما يديره غيره من الساسة ، ولكنه يعرض عن ذلك صفحاً ، وينأى عنه جانباً إذ التمس كل ذلك من الطريق المستقيم الذي استنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذه الإستقامة عند الإمام هي التي ذهبت به كل مذهب في الصرامة ، غير متهاود فيها ، ولا متهاون عنها ، حتى قال : « الضعيف الذليل عندي قويٌ حتى آخذ الحق له ، والقوي العزيز عندي ضعيف ذليل حتى آخذ الحق منه ».
ولو قدر للإمام أن يطبق سياسته هذه بتفاصيلها ، ويمثل منهجه بمفرداته كافة ، لانتقل بالإسلام والمسلمين إلى عالم رحيب أوسع ، رأيت فيه من الخير العميم ما يذهل العقول ، ولكن الإمام غلب على