وكان عليّ عليهالسلام يطبق هنا التوجيه بسيرة عملية صارمة ، عزف فيها عن السرف ، وجنح فيها إلى الزهد حتى توجه إلى من أراد أن يلتزم سيرته هذه ، فقال له : « إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره ».
ويلحظه أحدهم وهو يرتعد برداً في قطيفة سملة ويقول للإمام : « يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً ، ثم أنت تفعل هذا بنفسك؟ ».
فيقول الإمام :
« ما أرزأكم شيئاً. وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة ».
وهذا أخوه عقيل بن أبي طالب ، يستميحه شيئاً فوق نصيبه من بيت المال ، فيقول له الإمام : « إذا خرج عطائي فهو لك ». فقال عقيل : « وما يبلغ مني عطاؤك ».
فأسرَّها الإمام في نفسه ، ولقنه درساً بليغاً ، ليتعظ غيره بذلك ، فأحمى حديدة قربها منه فضجّ عقيل منها ، فقال الإمام :
« ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجّرها جبارها لغضبه ، أتئن من أذى ، ولا أئن من لظى ».
وبلغه أن قاضيه شريح بن الحارث قد اشترى لنفسه داراً ، فأراد استيقان الخبر ، حتى إذا صدق استدعى شريحاً ووعظه قائلا : « بلغني أنك ابتعت داراً بثمانين ديناراً ، وكتبت كتاباً وأشهدت فيه شهوداً ». فقال شريح : « لقد كان ذلك يا أمير المؤمنين ».