وسكوته عن أثباج قيادته العليا ، لئلا يتأثر الاسلام بشيء ، والناس قريبو العهد بالجاهلية ، فصبر وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، يرى تراثه نهباً ، على حد تعبيره ، وما أدركنا علياً عليهالسلام ، متمتعاً بنعيم الدنيا ، ولا مسرفاً في ملبسه وطعامه ، بل أدركناه يلبس الخشن من الثياب ، ويأكل الجشب من الطعام ، إن هي إلا كسيرات من خبز الشعير ، تداف في ملج أو لبن قارض ، زهداً بالترف والعيش الرغيد ، ولو شاء لأهتدى السبيل إلى مصفى هذا العسل ، ولباب ذلك القمح ، ونسائج الحرير ، ولكنها نفسه يروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر « ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع ، ولا طمع له بالقرص » كما جاء ذلك في كتابه لأبن حنيف واليه على البصرة. ولقد رأيناه يرتعد من البرد في رحبة الكوفة ، وعليه مدرعة إستحيا من راقعها فهي بالية متهرأة ، لئلا يرزأ المسلمين بشيء من المال الذي جعل له الله فيه حقاً مشروعاً « إن هي إلا قطيفتي التي جئت بها من المدينة » كما قال ذلك لابن عباس.
ولقد خبرناه في قيادته للأمة لم يضع حجراً على حجر ، ولا لبنة فوق لبنة ، وإنما نزل ضيفاً في الكوفة على ابن أخته جعدة بن أبي هبيرة المخزومي ، وأبى أن يسكن في قصر الأمارة ، ووصفه بأنه قصر الخِبال ، وما داره الاثرية الموجودة اليوم جنوبي قصر الأمارة في الكوفة إلا دار ابن أخته ليس غير.
ولقد درسناه وهو يساوي في العطاء بين الناس ، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، لم يؤثر قرابة ، ولا ميز رحماً ، ولا فضل أسباطاً وحفدة هو والحسن والحسين وعقيل أخوه ، وعبد الله بن جعفر زوج عقيلة بني هاشم « زينب » ابنة أمير المؤمنين على حد سواء مع الأعرابي والمولى والمهاجري والأنصاري.