ولقد أخذ ولاته وعماله بالشدة والنصح والتأديب ، فما حابى أحداً ، ولا تهاون مع أحد.
ولقد حرب الناكثين والقاسطين والمارقين بصلابة وشجاعة في ذات الله ، كما حارب بالملحظ نفسه في بدر وأحد والأحزاب وخيبر وذات السلاسل ومشاهد رسول الله كلها ، قاذفاً بنفسه في لهوات الحرب ، مباشراً القتال بسيفيه ورمحيه ، وما رأينا قائداً في تأريخ الحروب ينزل ساحة الميدان مقاتلاً سوى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فالقائد عادة يأمر ويشرف ، ويخطط ويبرمج ، أما عليٌّ عليهالسلام ، فقد جمع إلى ذلك مباشرة الحرب ، ومنازلة الأقران ، وكانت له ضربتان في المبارزة طولاً وعرضاً ، فأذا ضرب طولاً قطّ ، وإذا ضرب ضرب عرضاً قَدَّ ، وهذا شأن الأبطال المعدودين ، وأنى يعد معه سواه و « لا فتى إلا عليٌّ ، ولا سيفَ إلا ذو الفقار » ولا تعجب من ذلك فقد خاض المعارك في سبيل الله أربعين عاماً ، وهو القائل عن ذلك « نهضتُ بها ولم أبلغ العشرين ، وها أنا ذا قد ذَرّفتُ على الستين » فللّه درهُ.
ولقد مات عليٌّ ولم يترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم من عطائه ، أراد بها شراء من يخدم زوجته على ما قال ذلك ولده الامام الحسن عليهالسلام لدى تقلده الامامة في خطبة له.
وفي هذا الضوء وغيره ، ومن خلاله وسواه ، كان هذا الكتاب في ثلاثة فصول رئيسية ، إبتعدت عن الهذر والهذيان ، ونأت عن العاطفة والتعصب الأعمى ، وحققت الواقعية النوعية في جميع الأبعاد ، رؤيةً ونظريةً وتمحيصاً ورأياً ، فما إستندت إلى المراسيل التأريخية ، ولا تجنّت على المصادر ، ولا إفتأتت على الحقائق ، سبرت وحللت ودرست وقارنت ، لا رائد لها سوى السيرة كما كانت ، ولا هدف إلا