وكان مع عوف ابنه عبد الرحمن فقتل قاتل أبيه ، وبقي دم الفاكه بن المغيرة عم خالد بن الوليد هدراً ، وفي خالد بقية من جاهلية ، وعصبية من حميّة ، وشجاعة في غلظة ، لم يقيّده الإسلام من الفتك ، ولا هذبّته القيادة من الغدر ، والقوم في أسلحتهم؛ فقال : ضعوا السلاح ، فقال أحد زعمائهم : إنه خالد ، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار ، وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق ، وجادلوا في وضع السلاح أو حمله ، واستجابوا أخيراً فوضعوا السلاح ، فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتلوا ، وانتهى خبرهم إلى النبي ، فرفع يديه وقال : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ».
ثم دعا علياً عليهالسلام وقال له : يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ، وأجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. وخرج عليٌ ومعه الأموال الوفيرة لرأب الصدع ، ومساواة الأمر ، ووصل الإمام فأنكر على خالد همجيته ، ودفع دية القتلى ، وودى الدماء ، وعوّض ما أصيب من الأموال ، حتى أرضاهم ، وقال لهم : هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم ، قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطاً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجع إلى النبي فأخبره بصنيعه ، فقال النبي أصبت وأحسنت ، ثم قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فاستقبل القبلة ، شاهراً يديه ، وهو يقول :
« اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » وكرر ذلك ثلاث مرات.
وانتهت المأساة الغادرة ، بما طيّب به عليٌّ نفوس القوم ، وبما جبر به الخواطر.
وأما نبأ هوازن وثقيف؛ فكانوا عتاة مردة لا يزدادون إلا طيشاً ، وطغاة جفاة لا يرجون لله وقاراً ، فلما تناهى إلى أسماعهم نبأ فتح مكة ،