هالهم هذا النصر المبين ، واجتمعوا إلى رئيسهم مالك بن عوف ، وكان شاباً نزقاً جباراً ، فاستقر رأيه على الحرب ، فأعلن الحرب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ابتداءً ، ونزل ( حنين ) في ثلاثين ألفاً ، وبلغ خبرهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتهيأ في عدة حسنة ولكنها لا تصل إلى عداد القوم ، فقد خرج باثني عشر ألفاً ، وأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب ، ووزع الرايات بين الأنصار ، وانجدر إلى وادي حنين؛ وكانت هوازن قد كمنت لهم في شعاب الوادي ومنعطفاته ، وأمسكت بمنعرجاته ، وباغتوهم بياتاً من كل صوب وحدب ، وأحدقوا بالمسلمين إحداقاً، وما راع المسلمين إلا القوم يأخذونهم على حين غرّة فيشدون عليهم شدّة رجل واحد ، ويمعنون بالقتل والطعن والمجالدة إمعاناً ، وبلغ الذعر مبلغه بالمسلمين فتنادوا بالويل والثبور ، وانهزموا هزيمة منكرة ، ولم يثبت معه إلا أربعة أو ستة أو عشرة ، وفي طليعتهم - بإجماع المؤرخين - عليٌ عليهالسلام ، وانهزم الباقون ، والنبي ينادي :
أيها الناس أنا رسول الله محمد بن عبد الله ، والمسلمون لا يلوون على شيء. وكان أبو بكر (رض) متفائلاً فقال : لا نغلب اليوم عن قلة ، وكان معجباً بكثرة جيش المسلمين فنزلت الآية : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (١).
قال الشيخ المفيد : والآية تعني بالمؤمنين علياً ومن ثبت معه من بني هشام.
وصاح العباس بالمنهزمين بأمر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان العباس
__________________
(١) سورة التوبة ، الآيتان : ٢٥ ، ٢٦.