والسرية الثانية كانت في رمضان سنة عشر من الهجرة ، عقد له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لواءً وعممه بيده ، وقال : امض ولا تلتفت ، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. وخرج عليٌّ عليهالسلام في ثلاثمائة فارس ، فلقي أهل اليمن ودعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ورموا بالحجارة والنبل ، فصف أصحابه ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلاً ، فتفرقوا وانهزموا فكفّ عن طلبهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وبايعوا ، وسلّموا صدقاتهم إليه ، فقفل راجعاً فوافى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة في طريقه إلى حجة الوداع.
وقد يبدو من جملة الآثار أن علياً عليهالسلام أرسله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قاضياً إلى اليمن ، ووضع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يده على صدره ، وقال : اللهم ثبّت لسانه وأهد قلبه ... قال عليٌّ : والله ما شككت في قضاء بين اثنين ، وكيف لا والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : عليٌّ أقضاكم.
وكما كان علي عليهالسلام مقدامه في حروبه ، وخليفته في مدينته ، فقد كان نائبه في الأداء عنه؛ ففي السنة التاسعة من الهجرة بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر الصديق ( رض ) في سورة براءة إلى أهل مكة ، فهبط عليه حبرائيل وقال : أنه لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك ، فانفذ علياً عليهالسلام حتى لحق أبا بكر فأخذها منه ، فوجد أبو بكر في نفسه ، ولكنه أطاع الأمر ، وأخبره النبي فيما بعد : لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني.
ومضى عليٌّ عليهالسلام في الأمر حتى أتى الموسم ، فنادى : إن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، لا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، ومن كان