ولكنه يذكر بالله واليوم الآخر ، عسى أن يهدي الله به أحداً ، ويجدد العهد عسى أن يصغي له أحد ، جاداً لا يتردد ، ولكنه مضطرب لا يهدأ أيضاً.
وتنتهي حجة الوداع ، ويتجه النبي نحو المدينة حتى يصل إلى « غدير خم » في قيظ لافح ، وحرارة محرقة ، وهجير ملتهب ، فيتوقف الركب النبوي في المنطقة التي سيفترق فيها الحاج ، ويتجه كلٌّ إلى قصده ، وينحو كلٌّ منحاه ، والموكب بعد في آلافه المؤلفة من المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح ، وبقية المسلمين من هنا وهناك ، ولا نريد ذكر الآلاف منهم فيما اختلف فيه المؤرخون زيادة ونقصاناً فهذا لا يعنينا ، بقدر ما يعنينا الموقف والحدث ، والمسلمون ألوف لا شك في هذا وينصب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منبر من أحداج الإبل عند الظهيرة ، ويمتطي النبي صهوة المنبر ، وهو يقول :
« إني دعيت ويوشك أن أجيب ، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم ، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ».
ثم نادى بأعلى صوته : ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا اللهم بلى. فقال لهم على النسق ، وقد أخذ بضبعي علي عليهالسلام فرفعهما حتى بان بياض أبطيهما : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».
ثم نزل وصلى الظهر والعصر وأفرد لعلي خيمة ، وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ، فيهنؤه بالمقام ، ويسلموا عليه بإمرة