الأصيل ، أي مجال تحديد العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ، بل كان له إبداع كبير في عددٍ من أهمّ مشاكل الفكر البشري ؛ وذلك أنّ علم الاصول بلغ في العصر العلمي الثالث وفي المرحلة الأخيرة من هذا العصر بصورةٍ خاصّةٍ قمّة الدقّة والعمق ، ووعى بفهمٍ وذكاءٍ مشاكل الفلسفة وطرائقها في التفكير والاستدلال ، وبحثها متحرّراً من التقاليد الفلسفية التي تقيّد بها البحث الفلسفي منذ ثلاثة قرون ، إذ كان يسير في خطٍّ مرسوم ، ولا يجسر على التفكير في الخروج عن القواعد العامّة للتفكير الفلسفي ، ويستشعر الهيبة للفلاسفة الكبار ، وللمسلّمات الأساسية في الفلسفة بالدرجة التي تجعل هدفه الأقصى استيعاب أفكارهم والقدرة على الدفاع عنها.
وبينما كان البحث الفلسفي على هذه الصورة كان البحث الاصولي يخوض بذكاءٍ وعمقٍ في درس المشاكل الفلسفية متحرّراً من سلطان الفلاسفة التقليديّين وهيبتهم. وعلى هذا الأساس تناول علم الاصول جملةً من قضايا الفلسفة والمنطق التي تتّصل بأهدافه ، وأبدع فيها إبداعاً أصيلاً لا نجده في البحث الفلسفي التقليدي ، ولهذا يمكننا القول بأنّ الفكر الذي أعطاه علم الاصول في المجالات التي درسها من الفلسفة والمنطق أكثر جدةً من الفكر الذي قدّمته فلسفة الفلاسفة المسلمين نفسهم في تلك المجالات.
وفي ما يلي نذكر بعض تلك الحقول التي أبدع فيها الفكر الاصولي (١) :
١ ـ في مجال نظرية المعرفة : وهي النظرية التي تدرس قيمة المعرفة
__________________
(١) هذه النماذج لا يطلب تدريسها بالتفصيل ، وإنّما يكتفي المدرِّس ـ إذا رأى مجالاً ـ بالإشارة الى بعضها ، وسوف نستعرضها بصورةٍ أوضح في الحلقات المقبلة إن شاء الله تعالى. (المؤلّف قدسسره)