الطاعة على الإنسان في كلِّ ما يعلمه من تكاليف المولى وأوامره ونواهيه ، فإذا علم الإنسان بحكمٍ إلزاميٍّ من المولى «وجوب أو حرمة» دخل ذلك الحكم الإلزامي ضمن نطاق حقّ الطاعة ، وأصبح من حقّ المولى على الإنسان أن يمتثل ذلك الإلزام الذي علم به ، فإذا قصّر في ذلك أو لم يؤدِّ حقّ الطاعة كان جديراً بالعقاب ، وهذا هو جانب المنجّزية في حجّية العلم.
ومن ناحيةٍ اخرى يحكم العقل أيضاً بأنّ الإنسان القاطع بعدم الإلزام من حقّه أن يتصرّف كما يحلو له ، وإذا كان الإلزام ثابتاً في الواقع والحالة هذه فليس من حقّ المولى على الإنسان أن يمتثله ، ولا يمكن للمولى أن يعاقبه على مخالفته ما دام الإنسان قاطعاً بعدم الإلزام ، وهذا هو جانب المعذّرية في حجّية العلم.
والعقل كما يدرك حجّية القطع كذلك يدرك أنّ الحجّية لا يمكن أن تزول عن القطع ، بل هي لازمة له ، ولا يمكن حتى للمولى أن يجرّد القطع من حجّيته ويقول : «إذا قطعت بعدم الإلزام فأنت لست معذوراً» ، أو يقول : «إذا قطعت بالإلزام فلك أن تهمله» ، فإنّ كلّ هذا مستحيل بحكم العقل ؛ لأنّ القطع لا تنفكّ عنه المعذّرية والمنجّزية بحالٍ من الأحوال ، وهذا هو معنى المبدأ الاصولي القائل «باستحالة صدور الردع من الشارع عن القطع».
قد تقول : هذا المبدأ الاصولي يعني أنّ العبد إذا تورّط في عقيدةٍ خاطئةٍ فقطع ـ مثلاً ـ بأنّ شرب الخمر حلال فليس للمولى أن ينبِّهه على الخطأ.
والجواب : أنّ المولى بإمكانه التنبيه على الخطأ وإخبار العبد بأنّ الخمر ليس مباحاً ؛ لأنّه بذلك يزيل القطع من نفس العبد ويردّه إلى الصواب ، والمبدأ الاصولي الآنف الذكر إنّما يقرّر استحالة صدور الردع من المولى عن العمل بالقطع مع بقاء القطع ثابتاً ، فالقاطع بحلّية شرب الخمر يمكن للمولى أن يزيل قطعه ، ولكن من المستحيل أن يردعه عن العمل بقطعه ويعاقبه على ذلك ما دام قطعه ثابتاً ويقينه بالحلّية قائماً.