فعلى الصعيد الفقهي تمثّل ردّ الفعل في قيام المذهب الظاهري على يد داود ابن عليّ بن خلف الأصبهاني في أواسط القرن الثالث ، إذ كان يدعو إلى العمل بظاهر الكتاب والسنّة ، والاقتصار على البيان الشرعي ، ويشجب الرجوع إلى العقل.
وانعكس ردّ الفعل على البحوث العقائدية والكلامية متمثّلاً في الاتّجاه الأشعري الذي عطّل العقل وزعم أنّه ساقط بالمرّة عن إصدار الحكم حتى في المجال العقائدي. فبينما كان المقرّر عادةً بين العلماء : أنّ وجوب المعرفة بالله والشريعة ليس حكماً شرعياً ، وإنّما هو حكم عقلي ؛ لأنّ الحكم الشرعي ليس له قوة دفعٍ وتأثير في حياة الإنسان إلّا بعد أن يعرف الإنسان ربّه وشريعته ، فيجب أن تكون القوة الدافعة إلى معرفة ذلك من نوعٍ آخر غير نوع الحكم الشرعي ، أي أن تكون من نوع الحكم العقلي ، أقول : بينما كان هذا هو المقرّر عادةً بين المتكلّمين خالف في ذلك الأشعري ، إذ عزل العقل عن صلاحية إصدار أيِّ حكم ، وأكّد أنّ وجوب المعرفة بالله حكم شرعي كوجوب الصوم والصلاة.
وامتدَّ ردّ الفعل إلى علم الأخلاق ـ وكان وقتئذٍ يعيش في كنف علم الكلام ـ فأنكر الأشاعرة قدرة العقل على تمييز الحُسن من الأفعال عن قبيحها حتّى في أوضح الأفعال حُسناً أو قبحاً ، فالظلم والعدل لا يمكن للعقل أن يميز بينهما ، وإنّما صار الأول قبيحاً والثاني حسناً بالبيان الشرعي ، ولو جاء البيان الشرعي يستحسن الظلم ويستقبح العدل لم يكن للعقل أيّ حقٍّ للاعتراض على ذلك.
وردود الفعل هذه كانت تشتمل على نكسةٍ وخطرٍ كبيرٍ قد لا يقلّ عن الخطر الذي كان الاتّجاه العقلي المتطرّف يستبطنه ؛ لأنّها اتّجهت إلى القضاء على العقل بشكلٍ مطلق ، وتجريده عن كثيرٍ من صلاحياته ، وإيقاف النموّ العقلي في الذهنية الإسلامية بحجّة التعبّد بنصوص الشارع والحرص على الكتاب والسنّة. ولهذا