بدلاً عن التفكير في تلك القواعد؟
وهذا يعني : أنّ الإنسان كلّما كان أقرب إلى عصر التشريع وأكثر امتزاجاً بالنصوص كان أقلّ حاجة إلى التفكير في القواعد العامة والعناصر المشتركة ؛ لأنّ استنباط الحكم الشرعي يتمّ عندئذٍ بطريقةٍ ميسّرةٍ دون أن يواجه الفقيه ثغراتٍ عديدةً ليفكِّر في ملئها عن طريق العناصر الاصولية. وأمّا إذا ابتعد الفقيه عن عصر النصّ واضطرّ إلى الاعتماد على التأريخ والمؤرّخين والرواة والمحدّثين في نقل النصوص فسوف يواجه ثغراتٍ كبيرةً وفجواتٍ تضطرّه إلى التفكير في وضع القواعد لملئها ، فهل صدر النصّ المرويّ من المعصوم حقيقةً أو كَذِبَ الراوي أو أخطأ في نقله؟ وما ذا يريد المعصوم بهذا النصّ؟ هل يريد المعنى الذي أفهمه فعلاً من النصّ حين أقرأه أو معنى آخر كان له ما يوضّحه من الظروف والملابسات التي عاشها النصّ ولم نعِشْها معه؟ وما ذا يصنع الفقيه حيث يعجز عن الحصول على نصٍّ في المسألة؟
وهكذا يصبح الإنسان بحاجةٍ إلى عنصرٍ كحجّية الخبر ، أو حجّية الظهور العرفي ، أو غيرهما من القواعد الاصولية.
وهذا هو ما نقصده من القول بأنّ الحاجة إلى علم الاصول حاجة تأريخية ترتبط بمدى ابتعاد عملية الاستنباط عن عصر التشريع وانفصالها عن ظروف النصوص الشرعية وملابساتها ؛ لأنّ الفاصل الزمني عن ذلك الظرف هو الذي يخلق الثغرات والفجوات في عملية الاستنباط. وهذه الثغرات هي التي توجِد الحاجةَ الملحَّةَ إلى علم الاصول والقواعد الاصولية.
وارتباط الحاجة إلى علم الاصول بتلك الثغرات ممّا أدركه الرّوّاد الأوائل لهذا العلم ، فقد كتب السيد الجليل حمزة بن عليّ بن زهرة الحسيني الحلبي ـ المتوفّى سنة ٥٨٥ ه ـ في القسم الأول من كتابه الغنية يقول : «لمّا كان الكلام في