هذا هو السؤال الذي يجب التوفّر على الإجابة عنه ، ويمكننا بهذا الصدد أن نشير إلى عدّة أسبابٍ من المحتمل أن تفسِّر الموقف :
١ ـ من المعلوم تأريخياً أنّ الشيخ الطوسي هاجر إلى النجف سنة ٤٤٨ ه نتيجةً للقلاقل والفتن التي ثارت بين الشيعة والسنّة في بغداد ، أي قبل وفاته ب (١٢) سنة ، وكان يشغل في بغداد قبل هجرته مركزاً علمياً معترفاً به من الخاصّة والعامة ، حتّى ظفر بكرسيّ الكلام والإفادة من الخليفة القائم بأمر الله الذي لم يكن يمنح هذا الكرسي إلّا لكبار العلماء الذين يتمتّعون بشهرةٍ كبيرة ، ولم يكن الشيخ مدرِّساً فحسب ، بل كان مرجعاً وزعيماً دينياً ترجع إليه الشيعة في بغداد وتلوذ به في مختلف شئونها منذ وفاة السيد المرتضى عام ٤٣٦ ه ، ولأجل هذا كانت هجرته إلى النجف سبباً لتخلّيه عن كثيرٍ من المشاغل وانصرافه انصرافاً كاملاً إلى البحث العلمي ، الأمر الذي ساعده على إنجاز دوره العلمي العظيم الذي ارتفع به إلى مستوى المؤسِّسين ، كما أشار إلى ذلك المحقّق الشيخ أسد الله التستري في كتاب «مقابس الأنوار» ، إذ قال : «ولعلّ الحكمة الإلهية في ما اتّفق للشيخ تجرّده للاشتغال بما تفرّد به من تأسيس العلوم الشرعية ، ولا سيّما المسائل الفقهية» (١).
فمن الطبيعي على هذا الضوء أن يكون للسنين التي قضاها الشيخ في النجف أثرها الكبير في شخصيته العلمية التي تمثّلت في كتاب «المبسوط» ، وهو آخر ما ألّفه في الفقه ، كما نصّ على ذلك ابن إدريس في بحث الأنفال من السرائر (٢) ، بل آخر ما ألّفه في حياته كما جاء في كلام مترجميه (٣).
__________________
(١) مقابس الأنوار : ٥ ، في ترجمة الشيخ الطوسي
(٢) السرائر ١ : ٤٩٩
(٣) روضات الجنّات ٦ : ٢٢٢