ـ الاستدلال بالأولوية ـ يحمل طابعاً عقلياً جريئاً بالنسبة إلى مستوى العلم الذي عاصره ابن إدريس فقد علّق عليه يقول : «وكأنّي بمَن يسمع هذا الكلام ينفر منه ويستبعده ويقول : من قال هذا؟ ومن ينظره في كتابه؟ ومن أشار من أهل هذا الفنّ الذين هم القدوة في هذا إليه؟» (١).
وأحياناً نجد أنّ ابن إدريس يحتال على المقلّدة فيحاول أن يثبت لهم أنّ الشيخ الطوسي يذهب إلى نفس رأيه ولو بضربٍ من التأويل ، فهو في مسألة الماء المتنجّس المتمَّم كرّاً بمثله يفتي بالطهارة ، ويحاول أن يثبت ذهاب الشيخ الطوسي إلى القول بالطهارة أيضاً ، فيقول : «فالشيخ أبو جعفر الطوسي الذي يتمسّك بخلافه ويقلَّد في هذه المسألة ويجعل دليلاً يُقوِّي القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثيرٍ من أقواله. وأنا ابيِّن ـ إن شاء الله ـ أنّ أبا جعفر تفوح من فيه رائحة تسليم هذه المسألة بالكلّية إذا تؤمِّل كلامه وتصنيفه حقّ التأمّل وابصر بالعين الصحيحة واحضر له الفكر الصافي» (٢).
٣ ـ وكتاب السرائر من الناحية التأريخية يعاصر إلى حدٍّ ما كتاب الغنية الذي قام فيه حمزة بن عليّ بن زهرة الحسيني الحلبي بدراسةٍ مستقلّةٍ لعلم الاصول ؛ لأنّ ابن زهرة هذا توفّي قبل ابن إدريس ب (١٩) عاماً ، فالكتابان متقاربان من الناحية الزمنية.
ونحن إذا لاحظنا اصول ابن زهرة وجدنا فيه ظاهرةً مشتركةً بينه وبين فقه ابن إدريس تميِّزهما عن عصر التقليد المطلق للشيخ ، وهذه الظاهرة المشتركة هي الخروج على آراء الشيخ ، والأخذ بوجهات نظرٍ تتعارض مع موقفه الاصولي أو
__________________
(١) السرائر ١ : ٧٣
(٢) السرائر ١ : ٦٦