الفقهي ، وكما رأينا ابن إدريس يحاول في السرائر تفنيد ما جاء في فقه الشيخ من أدلّةٍ كذلك نجد ابن زهرة يناقش في الغنية الأدلّة التي جاءت في كتاب العدّة ، ويستدلّ على وجهات نظرٍ معارضة ، بل يثير أحياناً مشاكل اصوليةً جديدةً لم تكن مُثارةً من قَبل في كتاب العدّة بذلك النحو (١).
وهذا يعني أنّ الفكر العلمي كان قد نما واتّسع بكلا جناحيه الاصولي والفقهي ، حتّى وصل إلى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ ومحاكمتها إلى حدٍّ ما على الصعيدين الفقهي والاصولي ، وذلك يعزِّز ما قلناه سابقاً (٢) من أنّ نموّ الفكر الفقهي ونموّ الفكر الاصولي يسيران في خطّين متوازيين ، ولا يتخلّف أحدهما عن الآخر تخلّفاً كبيراً ؛ لِمَا بينهما من تفاعلٍ وعلاقات.
واستمرّت الحركة العلمية التي نشطت في عصر ابن إدريس تنمو وتتّسع وتزداد ثراءً عبر الأجيال ، وبرز في تلك الأجيال نوابغ كبار صنّفوا في الاصول
__________________
(١) لا بأس أن يذكر المدرِّس مثالين أو ثلاثةً للمسائل التي اختلف فيها رأي ابن زهرة عن رأي الشيخ.
فمن ذلك : مسألة دلالة الأمر على الفور ، فقد كان الشيخ يقول بدلالته على الفور ، وأنكر ابن زهرة ذلك ، وقال : «إنّ صيغة الأمر حيادية لا تدلّ على فورٍ ولا تراخٍ». الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٦٥ ، السطر ٣٢.
ومن ذلك أيضاً : مسألة اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها ، فقد كان الشيخ يقول بالاقتضاء ، وأنكر ابن زهرة ذلك مميزا بين مفهومي الحرمة والفساد ، ونافياً للتلازم بينهما. المصدر السابق : ٤٦٨ ، السطر ٤. وقد أثار ابن زهرة في بحوث العامّ والخاصّ مشكلة حجّية العام المخصّص في غير مورد التخصيص ، المصدر السابق : ٤٧٠ ، السطر ٢٦. بينما لم تكن هذه المشكلة قد اثيرت في كتاب العدّة. (المؤلّف قدسسره)
(٢) سبق تحت عنوان : التفاعل بين الفكر الاصولي والفكر الفقهي