محمود فار تنورها (١٨) ، وان كتبت لعقد النكاح انحلت ، وان عقلت خطى الضالة وقفت حيث حلت ، وان زجرت الجنون تركت وخلت ، وان استثرت الدفائن ألقت الارض ما فيها وتخلت (١٩). أنا جردت البيضة الشقراء ، وزوجت الفتى الشرقى من الجارية العذراء. أنا صافحت الملك ، ورصدت الفلك ، ومزجت ـ بسر الحكمة ـ الضياء والحلك ، فاحتقرت الملك وما ملك.
دعوت علم الطباع فأطاع ، وقطعت شكوك الهيئة بالشكل القطاع ، وقلت بالقدر وبالاستطاع ، وسبقت فى صناعة البرهان (٢٠) يوم الرهان. ورضت صعاب الرياضيات حتى ذل قيادها ، وسهل انقيادها ، وعدلت الكواكب (١١٧ : ب) واختبرت القلوب اليابانية والمناكب ، وبشرت عند رجوع خنسها (٢١) بالغيوث السواكب ، ووقفت بالامتحان ، على صناعة الالحان ، وقرأت ما بعد علم الطبيعة ، وناظرت قسيس البيعة (٢٢) ، وأعملت فى الاصول مرهفة النصول ، وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الفصول. وامتزت بالبروع فى علم الفروع ، وقمت فى العهد الحديث بالحديث ، وحزت فى علم اللسان درجة الاحسان. وحققت قسمة الفروض ،
__________________
(١٨) فار تنورها : فاضت مياهها.
(١٩) اقتباسا من قوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) سورة الانشقاق ، آية ٣ ، ٤.
(٢٠) يقصد علم المنطق والمناظرة فى البحث العلمى.
(٢١) خنسها : الخنس ، قيل : الكواكب كلها ، وقيل : السيارات منها فقط ، وقيل : الخنس ، هى زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد. وقد أقسم الله تعالى بها فى قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ ... إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) آية ١٥ ـ ١٩ من سورة التكوير.
(٢٢) قسيس البيعة : يرمى بهذا الى ما كان يحدث أحيانا بين بعض المسيحيين المستعربين من جهة ، وبين الاندلسيين الذين اتقنوا لغة المسيحيين من جهة أخرى ، فهؤلاء وأولئك كثيرا ما التحما فى مجادلات دينية.
راجع ابن الخطيب فى : الاحاطة ، لوحة ١١١ ، ٢٢٢ من مخطوطة جاييجوس بالاسكوريال.