منهج ابن الخطيب فى الكتاب
عندما كتب ابن الخطيب مؤلفه «معيار الاختيار» اختط فى التحرير طريقة خاصة ، تختلف عن معظم كتاباته فى مؤلفاته الاخرى ، ذلك أنه بدأ بمقدمة معتادة أعقبها بمحاورة ، ثم انتهى الى صميم الموضوع ، فقسمه الى مجموعتين مستقلتين ، وأدرج كل مجموعة تحت مجلس خاص ، وقصر المجلس الاول على المدن الاندلسية ، ثم أعقبه بالمجلس الثانى فقصره على المدن المغربية. وهكذا بدأ المؤلف كتابه فى المجلس الاول ، بما جرت به عادة المؤرخين والمؤلفين المسلمين ، وذلك بحمد الله تعالى ، والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ، كل هذا فى قالب يتناسب والموضوع الذي يتعرض له ، وهو وصف البلدان.
ثم ثنى بأن الانسان مدنى اجتماعى بطبيعته ، لا يستقيم حاله بدون مجتمع ، وبالتالى لا يقوم المجتمع بدونه ، وأنه ـ أى الانسان ـ أحيانا يتخذ سكناه حسبما اتفق ، وأحيانا يكون له ظرف الاختيار ، مرجحا من الامكنة ما غلبت حسناته على سيئاته ، وهذه الامكنة «كثيرا ما تنافر الى حكمها النفر ، وأعمل السفر» ، وأيا كان ، فانه لا توجد مدينة قد كملت من كافة النواحى كما يقول.
وبعدئذ يتحدث المؤلف عن خبر فى قالب قصة ، فهناك راو استهواه مكان ما ، فنزل به حتى حل المساء ، وحينئذ أبصر شيخا معه تلميذه وحماره ، وما استقر المقام بذلك الشيخ حتى حن الى صباه ، وضاق بمرارة المشيب ، وقسوة الغربة ، وشعوره بأن نفسه لم تتب بعد ، وأخيرا يسأل الله العفو والغفران ، والقربى من رحمته يوم الحساب ، معتمدا فى اجابة سؤله على شفاعة شيبه ، ثم تدور مناقشة بين الشيخ وفتاه ، وعندها ينبرى الشيخ ، فيحدثنا عن مدى خبراته فى أمور شتى