أما بعد ، ساعدك السعد ، ولان لك الجعد (٣) ، فان الانسان ـ وان انصف بالاحسان ، وابانة اللسان ، لما كان بعضه لبعض فقيرا ، نبيها كان أو حقيرا. اذ مؤنه (٤) التى تصلح بها حاله. لا يسعها انتحاله ـ لزم اجتماعه وائتلافه على سياسة يؤمن معها اختلافه ، واتخاذ مدينة يقر بها قراره ، ويتوجه اليها ركونه وفراره ، اذا رابه أضراره ، ويختزن بها أقواته التى بها حياته ، ويحاول منها معاشه الذي به انتعاشه ، فان كان اتخاذها جزافا واتفاقا ، واجتزاء ببعض المآرب وارتفاقا ، تجاول (٥) شرها وخيرها ، وتعارض نفعها وضيرها ، وفضلها ـ (٩٨ : أ) فى الغالب ـ غيرها ، وان كان عن اختيار ، وتحكيم معيار ، وتأسيس حكيم ، وتفويض للعقل وتحكيم ، تنافر الى حكمها النفر ، وأعمل السفر ، وكانت مساوئها ـ بالنسبة الى محاسنها ـ تغتفر ، اذ وجود الكمال فاضح للآمال ، ولله در القائل :
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها |
|
كفى المرء فخرا أن تعد معايبه |
وبحسب ذلك :
حدث من يعنى بالاخبار ينقلها ، والحكم يصقلها ، والاسمار ينتقيها ، والآثار يخلدها ويبقيها ، والمجالس يأخذ صدورها والآفاق يشيم (٦) شموسها وبدورها ، والحلل يعرف دورها ، ويأكل قدورها ، والطرف يهديها ، والخفيات يبديها. وقد جرى ذكر تفضيل البلدان ، وذكر القاصى والدان ، ومزايا الاماكن ، وخصائص المنازل والمساكن ، والمقابح والمحاسن ، والطيب والآسن (٧).
__________________
(٣) الجعد : فى الاصل هو الشعر غير المنسق ، والسياق ينصرف الى اللئيم البخيل.
(٤) فى نسخة (س) «مؤنتة» بدل «مؤنه».
(٥) تجاول : يقال ، تجاول القوم فى الحرب ، أى جال بعضهم على بعض.
(٦) يشيم : يعلم ، يقصد أنه ذو دراية بمطالع الشمس والقمر فى هذه البلاد.
(٧) الآسن : من الماء المتغير الطعم واللون والرائحة.