أذهانها النيرة متحيرة ، وأقطارها جد شاسعة ، وأزقتها لزجة (٧٦) غير واسعة ، وآبارها تفسدها أزفارها ، وطعامها لا يقبل الاختزان ، ولا يحفظ الوزان ، وفقيرها لا يفارق الاحزان ، وجوعها ينفى به هجوعها ، تحث (٧٧) على الامواج أقواتها ، وتعلو على الموازين غير القسط أصواتها ، وأرحيتها تطرقها النوائب ، وتصيب أهدافها السهام الصوائب ، وتعد بها الجنائب ، وتستخدم فيها الصبا والجنائب ، وديارها الآهلة بالسكان قد صم بالنزائل صداها ، وأضحت بلاقع بما كسبت يداها ، وعين أعيانها أثر ، ورسم مجادتها قد دثر ، والدهر لا يقول لعا لمن عثر (٧٨) ، ولا ينظم شملا اذا انتثر. وكيف لا يتعلق الذام ، ببلد يكثر به الجذام! محلة بلواه آهلة ، والنفوس ـ بمعرة عدواه ـ جاهلة.
ثم تبسم عند انشراح صدر ، وتذكر (٧٩) قصة (١٠٤ : ب) الزبرقان بن بدر (٨٠).
تقول هذا مجاج النحل تمدحه |
|
وان ذممت تقل (٨١) قىء الزنابير |
مدح وذم ، وعين الشيء واحدة |
|
ان البيان يرى الظلماء كالنور (٨٢) |
__________________
(٧٦) فى نسخة (س) «حرجة».
(٧٧) فى نسخة (ط) «تحط» بدل «تحث».
(٧٨) مثل يضرب عند العرب ، ومعناه : أن الدهر لا يدعو لك بالانتعاش اذا عثرت.
(٧٩) فى نسخة (س) «وذكر» بدل «وتذكر».
(٨٠) تتلخص قصة الزبرقان بن بدر فى : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عمرو ابن الاهتم عن الزبرقان بن بدر ، فقال : «مانع لحوزته ، مطاع فى أدنيه» فقال الزبرقان : أما أنه قد علم أكثر مما قال ، ولكنه حسدنى شرفى ، فقال عمرو : «أما لئن قال ما قال : فو الله ما علمته الا ضيق الصدر ، زمر المروءة ، لئيم الخال ، حديث الغنى» ، فلما رأى عمرو أنه قد خالف قوله الاول ، ورأى الانكار فى عينى الرسول ، قال : «يا رسول الله ، رضيت ، فقلت أحسن ما علمت ، وغضبت فقلت أقبح ما علمت ، وما كذبت فى الاولى ، ولقد صدقت فى الاخرى» فقال الرسول عند ذلك : «ان من البيان لسحرا».
أنظر : الجاحظ فى «البيان والتبيين». ج ١ ص ٥٢.
(٨١) فى نسخة (ط) «فقل».
(٨٢) فى نسخة (ط ، س) «فى النور» بدل «كالنور».