وصفه كما هو ، بل وعبادته كما يستحقه ، وذلك حق قدره بكماله وتمامه وما دونه عوان بين «قدروا» و«ما قدروا» ومن حق قدره فيما أنزل أن يحتل الموقع الأعلى من الدراسة فيه دون أن يجعل درسا جانبيا كما فعلته الحوزات الاسلامية ، فقد مركزوا كلّ كتاب وما قدروا كتاب الله حتّى هامشيا يفكر فيه ويتدبر.
فهم (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) مسّوا من كرامة ربانيته كأنه يجهل حاجة المكلفين إلى وحيه ، أو يبخل على علمه ، أو يعجز على علمه وسماحته ، أو يظلم على قدرته وسماحته وعلمه ، والقائلون (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) التاركون له ، هم أتباع لهم بل هم أضل منهم وأنكى. هنا (ما قَدَرُوا اللهَ) تعم كلّ القائلين (ما أَنْزَلَ اللهُ) ثم برهان ثان يخص أهل الكتاب منهم (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ ...)(١) وغير بعيد عن هؤلاء الأنكاد أن يتقولوا هذه القولة تعصبا ضد الإسلام وهم المفضّلون المشركين على المسلمين بنفس العصبية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (٤ : ٥١) ، وهذه هي طبيعة الحال المتخلفة الشرسة للعصبية الجهلاء الحمقاء على حاضر الحال ، قومية أو طائفية أو إقليمية أمّاهيه ، أنها إذا أصبحت حجة على أصحابها ، ذريعة لتقبل أشباهها أنكروها عن بكرتها نكرانا للزاماتها.
فقد ينكر الكتابي كتابه إذا كان حجة لتصديق كتاب آخر ، كما قد ينكر حسه أو فطرته أو عقليته أو علمه إذا كانت ذريعة لما يتنكره من جديد.
ذلك وقد يدعون ـ كما اليهود ـ أن الرسول السابق على رسولهم كان
__________________
(١) المصدر عن تفسير القمي في الآية قال : لم يبلغوا من عظمة الله ان يصفوه بصفة (إِذْ قالُوا ...).