وهو كذلك الصبح ففلقه هو شقه عن الليل بوصول الشمس إلى الآفاق المعنية منذ تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فذلك الخيط لما يفلق عن قرينه فهنالك الصبح فقد يعني الإصباح الخيط الأبيض إذ يدخل في الصبح بعد فلقه عن الخيط الأسود من الفجر.
وانفلاق الظلام بالإصباح حركة تشبه انفلاق الحياة عن الحب والنوى ، فكما أن الله هو المخرج الحي من الميت في سائر الأحياء من الأموات ، كذلك هو المخرج النور عن الظلام ، مهما اختلفت شكلية الإخراج والمخرج هنا وهناك.
وفيما يظن أن ظلام الليل موت فلما ذا هو؟ تأتي الحكمة الربانية صارحة : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) لنومة هي كموتة فلتكن في حالة ميتة من الأفق وهي الليل ، فقد جعل الليل بمنزلة المحبوب الذي تسكن إليه النفوس وتحبه القلوب.
كما (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) حسابا لحياة اليقظة لتمضي بحساب دونما فوضى جزاف : ف (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) (١٠ : ٥) (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٥٥ : ٥).
ذلك ، وعلى حد المروي عن الرسول (ص): «إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٤ ـ اخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله (ص) : .. وفيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظله التاجر الأمين والامام المقتصد وراعي الشمس بالنهار» وفيه عنه (ص) أحب عباد الله الى الله رعاء الشمس والقمر يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله الى عباده.