الناهي إلى شيء غير مخلوق (١).
ولئن سئلنا : إذا كان الله خالق كلّ شيء كما هو قضية توحيده في الخالقية ، فشيء الظلم والعصيان وكلّ سوء وضرر أيا كان مشمولة ل «كلّ شيء» والنتيجة براءة المتخلفين عما يعملون من سوء ، ولأن أعمالهم السيئة داخلة في «كلّ شيء» فهي كلها مخلوقة لله تعالى؟ وقد صرحت آيات بأن لنا أفعالا كما نختار ومنها التالية : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (١٠٤)!.
فالجواب أولا أن «كلّ شيء» هي الموضوعات الأصيلة في الخلق ، دون العوارض الاختيارية لها التي هي حصيلة الإختيار ، ثم الفعل يعبّر عنه بنفسه دون الخلق فمن فعل فعلا لا يقال أنه خلقه.
وثانيا أن الإختيار شيء خلقه الله في المختارين للاختبار ، ثم تحقق الشيء المختار له واجهتان ، أولاهما واجهة فاعلية المختار خيرا أو شرا ، وثانيتهما واجهة خلق العمل المختار ، وليس الله ليخلق خيرا أو شرا من مثلث الأقوال والأحوال والأعمال إلّا بعد إختيار المختار ، ف «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين» وليس الخالق الأصيل في هذا البين إلّا الله ، حيث خلق المختار باختياره ، ثم يخلق ما يختاره دون تسيير ، فأين الجبر إذا وأين كون الشرور من خلق الله دونما اختيار من أهله؟.
أجل ، والأعمال المختارة تنتهي إلى الاختيار والله هو خالق المختار والاختيار ، فإنما الاختيار هو للاختبار (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) مهما لا يحصل واقع الكفر والإيمان إلّا بمشيئة الله بعد إختيار المختار ، مشيئة لولاها لاستحال تحقيق الإختيار في كافة الحقول.
__________________
(١) راجع الفرقان ٢٣ : ٣٧٤ في ظل الآية «اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ..» والحوار بين الإلهيين والماديين تحت عنوان «من خلق الله»؟!