ففي خلق الشيطان من الجان وسائر الشيطان في أنفس الجان والإنسان حكمة الاختبار في عالم التكليف الإختيار ، لو لا ذلك الخلق بجنب سائر الخلق لم يكن اختبار في إختيار ، وعالم التكليف هو مجموعة اختبارات في اختيارات.
ولا تعني مثل (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أن فعل الظلم ـ وهو من الأشياء ـ خارج عن «كلّ شيء» مخلوق له تعالى ، فإنما تعني سلب الإجبار والتسيير في مثل الظلم ، فأما إرادة تحقق الظلم بعد كلّ المحاولات المختارة من الظالم فهي ليست من الله ظلما بل هي من العدل تطبيقا لواقع الإختيار في ظلمهم وعدلهم ، كما وهي قضية توحيد الربوبية ، فما من فعل قالا وحالا وأعمالا إلّا ولله فيه المشيئة سلبا في سلبها وإيجابا في إيجابها ، وذلك من المعني في «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين».
إذا ف «أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين والله خلق كل شيء ولا نقول بالجبر والتفويض» (١).
ذلك! وكما نسمع الله تعالى يقول (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) و (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ـ (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) مع (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) وما أشبه تدليلا على أن الله ليس بمنعزل فاعلية عن الخيرات والشرور ، ولكنها فاعلية ربوبية غير مسيّرة ، مهما كانت في الخيرات ميسّرة وفي الشرور دونها ، وكما في حديث قدسي : «يا ابن آدم أنا أولى منك بحسناتك وأنت أولى مني بسيآتك».
ذلك ، واستغراق كلّ شيء لكلّ شيء دونما استثناء هو فقط قضية
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٥١ في عيون اخبار الرضا (ع) باسناده الى الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) انه قال : ...