كانت وأيان! وما يخلقه الله ـ فيما يزعم ـ من أبصار ، محدود لأنه من خلقه ، وليس للمحدود أن يحيط على اللامحدود ، ثم وهو غير مجرد عن المادة ، وليس للمادي أن يدرك غير المادي فان وسائل الإدراك محدودة بحدودها ، والمسانخة بين المدرك والمدرك من لزامات الإدراك.
ذلك ، ولمّا يخاطب موسى (ع) في حقل رؤيته تعالى ب «لن تراني» المحيلة لرؤيته لموسى على أية حال ، فبأن يحيل رؤيته تعالى لغير موسى أحرى.
والقول إن الرؤية نوعان ثانيهما الرؤية مع الإحاطة وهي الإدراك ، فنفي الإدراك إنما ينفي هذه الثانية دون الأولى ، مردود بأن ذلك إنما يصح في المرئي المتجزئ فقد يرى بعضه دون بعض ، وأما المجرد الصمد الذي لا تركّب فيه فسلب إدراكه هو سلب رؤيته إذ لا تنقسم رؤيته إلى هذين القسمين إحاطة ودونها ، اللهم إلّا أن تعني الرؤية غير المحيطة وهي المعرفة الممكنة لله تعالى.
وأما أن الآيات الدالة على رؤيته تعالى تخصص عموم الاستغراق في سلب إدراكه تعالى ، فذلك نقش بالنفخ على الحجر ، إذ ليست هنا آية ولا لمحة أن الله تعالى يرى ، اللهم إلّا رؤية المعرفة الممكنة وهي ليست إدراكا له تعالى ، لأنه الوصول والحيطة على ذاته ، ومجرد الرؤية هي مجرد المعرفة دون حقها فضلا عن حق الإدراك ، وهكذا تعني (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) كما تفسرها (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) فلقد رآه دون إدراك بفؤاده المتفئد بنور المعرفة الممكنة لأعلى قممها حيث إنه (ص) (دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى).
ذلك ، وختاما للبحث عن الرؤية ختما لها حتما نقول ، إن المحدود أيّا كان ليس ليحيط على غير المحدود وهو الإدراك ، إلّا أن يتحول