المحدود إلى اللّامحدود ، أو اللّامحدود إلى المحدود ، فأي بصر يتصور لا يمكن أن يدرك الله تعالى ، لا بصرا حيث الأبصار المادية ليست لتدرك إلّا المبصرات ، فلكلّ آلة للإدراك حقله الخاص ، فكما لا يبصر بالأذن ، ولا يسمع بالبصر ، فبأحرى استحالة ألا يحسّ غير المحسوس بأية حاسة من الحواس ، ثم ولا بصيرة لمكان المحدودية.
فحين نتخطى عن إدراكه بأبصار العيون ، فأبصار البصائر أيضا عليلة كليلة عن أن تدركها لاستحالة ادراك المحدود اللّامحدود.
والقول : إن بإمكان ربنا أن يرينا نفسه بقدرته الطليقة ورحمته الواسعة؟ مردود بأن القدرة فضلا عن الرحمة لا تتعلق بالمحال ، إذ لا سبيل إلى ادراك ذاته إلّا اللّامحدودية الربانية كما الله ، وهي ليست بالتي تخلق ، حيث اللّامحدود غني الذات ، وكونه مخلوقا يخرجه عن غناه الذاتي ، والمحال ـ ولا سيما الذاتي ـ هو محال على أية حال ، وتعلق القدرة بما يخيّل إلينا أنه محال يخرجه عن الاستحالة.
ذلك ومن خطب لعلي أمير المؤمنين (ع) حول استحالة إدراكه تعالى ورؤيته : «وامتنع على عين البصيرة» (٤٩ / ١٠٦) ـ «لم يطلع العقول على تحديد صفته» (٤٩ / ١٠٦) «لا تقع الأوهام له على صفة ، ولا تعقد القلوب منه على كيفية ، ولا تناله التجزئة والتبعيض ، ولا تحيط به الأبصار والقلوب» (٨٩ / ١٦١) ـ «هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معرفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته» (٨٩ / ١ / ١٦٢) «فتبارك الذي لا