بصائر الوحي ، حيث البصائر الوسائل ليست معصومة يكتفى بها فيما يتوجب على المكلفين من أصول وفروع ، فإنما هي حجج للحصول على تصديق الأصول ، ومن ثم الفروع التي تتبنى الأصول.
فالحجة البالغة الربانية هي بصائر الوحي رسوليا ورساليا ، والحجج الباطنة هي ذرائع بالغة للبلوغ إلى تلك الحجج البالغة.
ومن غريب الوفق التوافق العددي بين البصر والبصيرة ، فان كلّا متكررة بمختلف الصيغ (١٤٨) مرة في القرآن.
ذلك ، ومن بصائر الوحي حامله المرسل به (ص) فإن حياته ولا سيما الرسالية منها بصائر تشرق بأنوار الهدى ابتعادا عن الردى ، فإنه المنذر المبشر بالقرآن ، بصيرة معصومة بما عصم الله ، ينذر ويبشر بهذه البصائر (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).
فحين تفتح أبصار القلوب إلى بصائر القرآن فهنالك الإبصار التام «فمن أبصر» بالبصائر القرآنية ، فاتحا بصيرته «فلنفسه» ومن عمى عنها «فعليها» حيث أعمى على نفسه تلكم البصائر (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢ : ٤٦) فليس ليظل ضالا مع هذه البصائر إلّا معطل الحواس ، مغلق المشاعر ، مطموس الضمير ، المتغافل المتجاهل كالحمير ، بل هو أضل سبيلا.
ذلك (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) من ربي لأحملكم على بصائره فتهتدون ، إنما أنا نذير بها (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها).
أجل ، فالقرآن البصائر هو مادة الهدى ، ورسول القرآن هو الداعية بها ، دون حول له ولا طول في الحمل على الهدى (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٦ : ٩).