قلوا ، دون تعليق على من سواهم مهما كثروا إذا فلّوا.
وتراه (ص) هنا ـ بعد ـ يؤمر بالإعراض عنهم حتى في مواصلة الدعوة؟ كلّا! فإنها ككلّ (عُذْراً أَوْ نُذْراً) فإنما الإعراض خاص بغير حقل الدعوة الرسالية : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (١٥ : ٩٤).
فذلك إعراض فيما تضر مواصلته : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ..) (٦ : ٦٨) فبعد ذلك واصلهم في دعوتكم حيث تفيد ـ لأقل تقدير ـ عذرا لك ووزرا لهم وقطعا لحجتهم في لجتهم.
وأعرض عن أذاهم فإن الله لهم بالمرصاد : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٢ : ٣٠) اللهمّ إلّا فيما تؤمر بجهادهم دفاعا وسواه.
وأعرض عن أن يؤثر في دعوتك المتواصلة تعنّتهم وعنادهم ، بل وعلى الداعية الربانية المزيد من قوة الدعوة حين يرى متصلبين في تكذيبها ، متألبين في إخفاق صداها واخناق مداها وإخماد نائرتها.
فالداعية المؤمنة يزداد قوة في دعوته حين يعرقل مسيره ومصيره بعراقيل المكذبين ، دون أن يفشل في دعوته أو يخمل في رعايته.
كذلك «واعرض» عن الرجاء فيهم أن يؤمنوا قطعا لآمالك عنهم إذ :
(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(١٠٧):
ف «لو» تحيل تلك المشيئة الإلهية المسيّرة لسلبية الإشراك تكوينا ، مهما شاء ألّا يشركوا تشريعا ، وكذلك المشيئة الموفّقة لهم لترك الإشراك ، فإنها تختص بمن شاء ترك الإشراك وتحرّى عن الحق ، فكما الله لا يشاء