وسؤال ثان : هب إنهم لا يؤمنون ، أولا تزيدهم حجة فلجّة زائدة بكفرهم المزيد؟.
أجل ، ولكنما حاذر العذاب الموعود للمكذبين إذا حاضر حيث (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (٨ : ٥٤) فما ذا يفيد ـ إذا ـ حجة بعد الحجة؟ وحتى لو آمنوا لا ينفع ـ إذا ـ نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، ف (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (٦ : ١٥٨) (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (١٧ : ٥٩) (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) (٧ : ٦٤) (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٧ : ٧٢).
وإنما تقدم تقليب الأفئدة على تقليب الأبصار ، لأن الأفئدة هي المحاور للأبصار وسائر الإدراكات وكما في الخبر «القلوب أئمة العقول والعقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء».
ثم و (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا) قد تتحمل إلى وجه الجزاء ـ كما بيناه ـ وجه التشبيه ، فكما لم يؤمنوا أوّل مرة فقلبنا افئدتهم وأبصارهم ، كذلك نقلبها مرة أخرى إذ لا يؤمنون.
(وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) على الحق «يعمهون» حيث لا نوفقهم لمعرفة الحق بعد إذ أنكروه عاندين ، فيا ويلاه لمن وكله الله إلى نفسه حتى إن كان مؤمنا فضلا عن أمثال هؤلاء المكذبين.
ثم وتأكيدا لكذبهم في دعوى الإيمان شرط أن تأتيهم آية أخرى كما يشتهون :