مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) فما هو استكثارهم منهم؟ هل هو أنهم أكثر منهم؟ وليس موضع سؤال تنديد فإنه تعالى هو الذي خلقهم قبلهم (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (١٥ : ٢٧) وهو الذي عمّرهم أكثر منهم! ثم العبارة الصالحة له ليست (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ) إذ لم يكونوا هم الذين أكثروا أنفسهم ، ولا (مِنَ الْإِنْسِ) بل «على الإنس»!.
فإنما استكثارهم استخدامهم كثيرا الإنس عدّة وعدّة وهم كفرة الجن وفسقتهم ، دون المؤمنين منهم فضلا عن مرسليهم ، إذا فالتنديد وارد مورده : أن الجن الضالين استكثروا من إضلال الإنس وكما قال الله : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٧٢ : ٦) إضافة إلى سائر طرق الإضلال الرّهق.
وهنا جواب معشر الجن مسكوت عنه إلى أولياءهم من الإنس : «وقال أولياءهم من الإنس» وهم الذين كانوا يتولونهم في حقل الضلالة : (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) : متعة الحياة الضالة ، تعاونا في تلك المتعة اللعينة المعنية من حيونة الحياة ، الخليطة من شهوات الجن والإنس واللهوات.
(وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) وهو أجل الموت الذي ينقطع به التكليف ، ثم أجل البرزخ قضية (يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الخاصة بيوم الجمع وليس كذلك البرزخ.
إلّا أن البرزخ ليس أجلا في مجال التكليف ، وذلك التساءل يوم الجمع قضية ناره والأجل هو أجل الموت.
(قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ) إخراجا لبعض عنها إلى الجنة إذا ذاق وبال أمره ، وإحراجا لآخرين إدخالا لهم لردح في الزمهرير ، وإفناء للنار مع أهل النار الآبدين ، وكلّ ذلك (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) حيث الحكمة العليمة تقتضي عدم التسوية بين أهل النار حيث هم