وهنا (مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) المندد بهم في الخطاب العتاب ليسوا هم كلهم ، بل هم شياطين الجن والانس لمكان (شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) وسابق الخطاب العتاب (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) وان المعشر هم كلّ جماعة أمرهم واحد عشرة واحدة في أمرهم كفارا أو مسلمين ، فجوابا عما قاله «أولياءهم من الإنس» يخاطبون تساءلا (أَلَمْ يَأْتِكُمْ ..) والجواب (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) فلا عذر لهم في شيطناتهم بتمتعاتهم المتبادلة المحظورة ودعاياتهم الضالة المضلة.
هنا «منكم» تقتسم الرسالة بين معشر الجن والإنس إلى رسل من
__________________
ـ وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدّرة ، من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم ، وآجال تفنيهم ، وأوصاب تهرمهم ، وأحداث تتابع عليهم ، ولم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، او حجة لازمة ، أو محجة قائمة ، رسل لا تقصّر بهم قلة عددهم ، ولا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمي له من بعده ، أو غابر عرّفه من قبله ، على ذلك نسلت القرون ، ومضت الدهور ، وسلفت الآباء ، وخلفت الأبناء» (الخطبة ١ / ٣١).
ذلك «وليقيم الحجة به (آدم) على عباده ، ولم يخلهم بعد ان قبضه ، مما يؤكد حجة ربوبيته ، ويصل بينهم وبين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ، ومتحملي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتى تمت بنبينا محمد (ص) حجته ، وبلغ المقطع عذره ونذره» (الخطبة ٨٩ / ٣ / ١٧٤) «فاستودعهم في أفضل مستودع ، وأقرهم في خير مستقر تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ، كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف ، حتى أفضت كرامة الله سبحانه الى محمد (ص) .. أرسله على حين فترة من الرسل ، وهفوة عن العمل ، وغباوة من الأمم» (٩٢ / ١٨٥).