الناس البسطاء ما لم يعتصموا بالدين الحق ، وهذه التصورات الجاهلية قد نمت في الجاهلية المتحضرة قدر تقدمها في علومها التجريبية وشهواتها الحيوانية ، جاهلية تختلف أشكالها ومشاكلها ، وتتحد جذورها ومنابعها ، وتتماثل قواعدها وقوائمها.
(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ)(١٣٨) :
«وقالوا» بين أقاويلهم المشرّعة افتراء على الله (هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) محجور عليها كالأربع المذكورة في المائدة : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) «(١٠٣) فهي حجر في حقل الأكل (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) كخدمة الآلهة من الرجال دون النساء وسائر الرجال ، وحجر في حقل الركوب : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) على أي راكب (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) ومنها التي كانوا يهلّون بها لغير الله ، والتي كانوا لا يركبونها في الحج ، فقد كانت أنعاما خاصة لردفها ب «أنعام لا يطعمها وأنعام حرمت ظهورها» فهي التي كانوا يحرمون ذكر اسم الله عليها دون سائر الأنعام التي يتركونه عليها دون تحريم ، ذكرا لاسم غير الله أو تركا لذكر اي اسم عليها.
وذلك كله (افْتِراءً عَلَيْهِ) : الله ، كأنه هو الذي حرم ما حرموه (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) المفتري على الله (بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) جزاء وفاقا.
فقد كانوا يعيّنون قسما من أنعامهم وحرثهم لآلهتهم فيحرمونها على غير الرجال الخادمين لها السادنين إياها ، وأنعام يحرمون ظهورها كالأربعة المذكورة في المائدة ، المبيّنة فيها ، وأنعام يركبونها ولكنهم لا يذكرون اسم