الآن كما : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٦ : ٣٥).
ولأن النحل نازلة بعد الأنعام فآية النحل هي مما سيقولون ، وهكذا يتبررون في عقيدتهم الجاهلة النكدة متظاهرين بالإخلاص لله والتسليم لمشيئة الله المتأكدة لإشراكهم بالله ، فإن «لو» تحيل مشيئته لترك الإشراك وتحتّم مشيئة الإشراك ، فنحن ـ إذا ـ عمال تحتيم الإشراك لله من الله.
وهؤلاء الأنكاد بين مجبرة ناكرة للاختيار في كلّ الأفعال ، وغير مجبرة خالطة بين المشيئة التكوينية والتشريعية ، وكلاهما كذب من القول وزور وغرور : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) (٤٣ : ٢٠) ـ (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) فنتقبل فريتكم علينا (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).
ذلك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١ : ١١٩) ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦ : ٩٣) ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١٠ : ٩٩).
وهنا عطف الظاهر (وَلا آباؤُنا) على الضمير في (ما أَشْرَكْنا) دليل على أنه من صالح الأدب ، إذا فمن سوء الأدب قول بعض أهل الأدب إن عطف الظاهر على المضمر قبيح ، حيث القائل هو القبيح السفيه (١) والقرآن هو الوجيه.
__________________
(١) وهو سيبويه وأضرابه ممن تقولوه.