الإنكار : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) فهو يهديهم إلى إيمان ، وبإيمانهم إلى مزيد وكرامة ، فنعمة الإيمان وكرامته لا تتعلقان بقيم الأرض الزائفة السائدة في الجاهليات ، فانما يختص الله بها من يفحص عنها ويسعى لها ويشكرها مهما كانوا من الموالي الضعاف الفقراء ، ولا يهدي لها الكبراء الرّعناء المتأنفون الذين اثّاقلوا إلى الأرض ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة.
ذلك! وهكذا يستمر التوجيه الرباني لرسول الإسلام والسلام ، أن يصبر نفسه مع المؤمنين بادئا لهم بالسلام :
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٤) :
هنا (يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) دون «آمنوا» دليل على حالة الإيمان قبل واقعه ، تحرّيا عن صالح الإيمان ، فهم مهما كانوا قبل إيمانهم في شك منه ولكنه شك مقدس لأنهم على وشك منه ، فيحق لهم استقبال رسول الإيمان ب (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إخبارا وإنشاء ، دعاء لسلامهم عن الشك إلى الإيقان ، وإخبارا بأنه ليس لهم في ذلك المجيء إلّا «سلام».
(فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ثم قل (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ومصبّها المكتوب عليه بما كتب : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) دون إصرار وعناد (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) نفسه وأصلح من أفسده وما أفسده (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٢٢ عن تفسير العياشي عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال : رحم الله عبدا تاب إلى الله قبل الموت فان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة ومنقذة من شقاء الهلكة فرض الله بها على نفسه لعباده الصالحين فقال : كتب ربكم ـ