(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) :
«كذلك» البعيدة المدى ، العميقة الهدى ، الطويلة الصدى (نُفَصِّلُ الْآياتِ) التربوية ، فإنها نقلة من جحيم الحياة الجاهلية إلى جنة الحياة الانسانية السامية ، فليست مجرد مبادئ وقيم ونظريات جافة قاحلة لا تعدوا حدودها إلى الواقع ، وإنما تمثل خطوات واسعة ونقلات شاسعة وضيئة على آفاق الإنسانية ، تحققت في الحياة المشرقة الرسولية ، والله يريدها للحياة الرسالية على طول خطوطها وخيوطها ، خانقة كلّ النعرات والشعارات القومية والجنسية والطبقية والطائفية والإقليمية أماهيه ، رافعة للإنسانية من السفح الساحق إلى الرفع السامق.
ذلك ومع الأنسى نرى في الحضارة الراقية تراجعا إلى رجعية الجاهلية وأنحس منها ، نرى عصبيات الجنس واللون وما أشبه لا تقل نتنا عنها أم وتزيد ، (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)! كما تستبين سبيل المؤمنين ، حيث الواو عطف على محذوف معروف هو سبيل المؤمنين ، فانها الغاية القصوى من تفصيل الآيات.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٥٦) :
هنا نتلمّح أن المشركين تخطّوا من خطوتهم وخطتهم اللئيمة في طرد المؤمنين ، أن يعبد الرسول معهم آلهتهم التي ألهتهم حتى يعبدوا الله معه ، شركة متساهمة متسالمة في العبودية ، فأمر أن يعلن (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) مهما عبدتم الله بديلها ، وبصورة جامعة : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) ومنها أن أطرد فقراء المؤمنين (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) في ذلك الإتباع الغاوي الخاوي (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) فكيف أحمل لواء الهدى؟!.