الحكم بما عنده وكله حق ، لا الحكم بما هو حق عندنا كواقع متحلّل عن الخالق والخلق.
ثم الحق منه مخلوق كحق التكوين والتشريع المتبنّيين رحمانيته ورحيميته ، ومنه حق غير مخلوق كذاته القدسية وصفات ذاته ، فكما الحق الخالق هو ذاته ، كذلك الحق المخلوق ليس إلّا منه وهو فعله.
فالحق كونيا هو ما وافق تكوينه ، والحق شرعيا هو الموافق تشريعه ، والحق إراديا هو ما وافق إرادته ، وكذلك سائر الحق إلى سائر ما له من الحق.
فالله تعالى هو الحق وهو الحاكم بالحق وليس محكوما به وكأن الحق حقيقة خارجية متحللة عن كلا الخالق والمخلوق ، فكما الخلق يحكمهم الحق كذلك الله ، وعوذا بالله ، ويكأن الحق إله من دون الله يتحكم على الله كما يتحكم على خلقه.
ذلك ، فلا علينا ولا لنا حين نتحرى عن الحق إلّا التحري عن فعل الرب ومرضاته ، لنتابع في حياتنا وحيوياتنا حقّه الطليق عن أي باطل.
ولأن الحق الطليق هو الحسن الطليق وسواه هو الباطل القبيح السحيق ، إذا فكلّ ما هو صادر عن الحق هو حق طليق إلّا أن نمزجه نحن بباطلنا أو نحوّله إلى باطل من عندنا.
وهذا لا يعني إمكانية الظلم والباطل من الله وأنهما منه حق لو حصلا ، حيث الإمكانية الواقعية لهما بعيدة كلّ البعد عن ساحة مشيئته ومرضاته ، فلا يفعل إلّا صالحا يناسب ساحة ربوبيته العادلة الكريمة.
فمن ينسب ظلما إلى الله ، مبررا إياه أنه بالنسبة له حق وعدل ، إنما ينسب اليه المستحيل عليه بربوبيته ، وإن لم يكن مستحيلا عليه ذاتيا فلا يقدر عليه.