«عنده» ولو يعلمها غيره وإن بتعليمه إياه لم تصح (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) حيث إن علم الغيب بأسره مسلوب عمن سواه ذاتيا وعرضيا ، كما وأن (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) سلبتهما عمن سواه بدليل (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) ولا يفرق في استكثار الخير ذاتي العلم عن عرضيه.
ولأن «عنده» تعم عندية العلم والقدرة القيومية لمكان (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) وهي خزائنه ، ف (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) بيان لأحد شقي العندية ، ولكن يعرف منها وبأحرى اختصاص عندية القدرة ـ أيضا ـ به كما العلم ، حيث الجاهل بالخزائن هو ـ بأحرى ـ عاجز عنها.
ثم (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) ثالثة ورابعة في حقل الدلالة على ذلك الإختصاص ، ومن ثم الخامسة المحلقة على كلّ غيب : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
وترى إذ تختص مفاتح الغيب به تعالى ، كذلك المفاتيح لا يعلمها غير الله؟ طبعا لا ، حيث العالم والقادر بمفاتح الغيب عالم وقادر بمفاتحه مهما كان بمقدمة المفاتيح ، ف (عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) تسلب عن غيره مفاتيحه إلى مفاتحه.
ثم «الغيب» هو الغيب المطلق المتأبّي عن الظهور لغير الله ، لا مطلق الغيب الذي قد يظهر لمن سوى الله بوحي وسواه من محاولات خارقة العادة وسواها.
ف (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) سلبية طليقة للعلم بهذه المفاتح ، بأية صورة من صورها ، ذاتية أو بتعلمها ، إلّا لله الذي يعلمها بذاته (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٥ عن ابن عمران رسول الله (ص) قال : مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلّا الله ، لا يعلم ما في غد إلّا الله ولا يعلم متى تغيض الأرحام إلّا الله ولا ـ