ولأن (ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ـ والكون لا يخلو عن أحدهما ـ فإنهما يشملان إلى بر الأرض وبحرها سائر البراري والبحور ـ لأنه يعم الظاهر إلى الغيب المطلق ، فلكي يبين علمه المحيط بكلّ شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ثنّى (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) بطليق العلم : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) مجاهل البر وغيابات البحر.
ولكي نعلم أنه لا سقطة في ذلك العلم المحيط أبدا ثلّثه ب (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) وقد تعني «من ورقة» كافة الأوراق مادية كورق الشجرة وورق النطفة وورق كلّ وليد انساني أو حيواني أما ذا من ورقة هي فرع من أية شجرية.
ثم وفي تبيين رابع (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) أرض الأرض ككلّ
__________________
ـ يعلم متى يأتي المطر إلّا الله ولا تدري نفس بأي ارض تموت إلّا الله ولا يعلم احد متى تقوم الساعة إلّا الله».
أقول : للنظر في هذا الحديث مجالات عدة منها «مفاتيح» بدل «مفاتح» خلافا لنص الآية ، ومنها أنه اقتباس ومتابعة لآية لقمان (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(٣٤) وآية الرعد (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) (٨).
وليس لا يعلم من (ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) و (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) إلّا نفس ما تغيض وتحمل دون «متى تغيض الأرحام» ، كما (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) اختصاص للقدرة على تنزيل الغيث به تعالى دون علمه «متى يأتي المطر».
ومن ثم لا تختص مفاتح الغيب بهذه الأربع المذكورة في آية لقمان ، مهما كانت منها أو من أهمها كعلم الساعة!.
ذلك وان تفسير «ورقة» بالسقط والحبة بالولد وظلمات الأرض بظلمات الأرحام والرطب بما يحيى من الناس واليابس بما يقبض ، كلّ ذلك من التأويلات رواها من روى عن الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام.